هل البيتكوين مخزن للقيمة؟
الصفحة الرئيسية
المقالات
هل البيتكوين مخزن للقيمة؟

هل البيتكوين مخزن للقيمة؟

متوسط
تاريخ النشر Apr 15, 2020تاريخ التحديث Mar 29, 2023
14m

المقدمة

عندما تفكر في أصول الملاذ الآمن، ترد على ذهنك غالباً المعادن النفيسة مثل الذهب والفضة. فهي استثمارات يتدافع نحوها الناس للتحوط من الاضطرابات التي تشهدها الأسواق التقليدية.

ثمة نقاش محتدم حول ما إذا كانت البيتكوين تتبع خطى هذه الأصول. في هذا المقال، سنلقي نظرة على بعض من الحجج الرئيسية المؤيدة والمعارضة لكون البيتكوين مخزناً للقيمة.


ما المقصود بمخزن القيمة؟

مخزن القيمة هو أصل قادر على الاحتفاظ بقيمته بمرور الوقت. فإذا اشتريت مخزناً جيداً للقيمة اليوم، يمكنك أن تكون متأكداً على نحو معقول من أن قيمته لن تنخفض بمرور الوقت. وفي المستقبل، تتوقع أن يظل محتفظاً بقيمته (هذا إن لم تزد).

عندما تفكر في أصول الملاذ الآمن، يرد على ذهنك غالباً الذهب والفضة. ويوجد عدد من الأسباب وراء احتفاظ هذين الأصلين بقيمتهما عادةً، وهو ما سنتناوله بعد قليل.


ألق نظرة سريعة على أحدث أسعار البيتكوين (BTC) اليوم.


ما الذي يجعل الأصل مخزناً جيداً للقيمة؟

لفهم ما يجعل الأصل مخزناً جيداً للقيمة، دعونا نستكشف أولاً ما قد يجعله مخزناً سيئاً لها. إذا كنت ترغب في حفظ شيء ما لفترات زمنية طويلة، فمن المنطقي أن يكون مُعمّراً

فكر، مثلاً، في الطعام. يحمل التفاح والموز قيمة جوهرية معينة؛ إذ يحتاج البشر إلى الغذاء للبقاء على قيد الحياة. وعندما يندر الطعام، ستكون هذه الفواكه عالية القيمة بلا شك. لكن ذلك لا يجعلها مخزناً جيداً للقيمة. فستقل قيمتها كثيراً في حال احتفاظك بها في خزانة لعدة سنوات لأنها ستفسد بالتأكيد.

لكن ماذا إذا كان الشيء ذا قيمة جوهرية ومُعمِّراً في الوقت نفسه؟ المعكرونة الجافة مثلاً؟ هذه أفضل على المدى الطويل، لكن ما من ضمان بأنها ستحتفظ بقيمتها. فيجري إنتاج المعكرونة بتكلفة منخفضة من موارد متاحة بسهولة. ويمكن لأي شخص إغراق السوق بمزيد من المعكرونة، ومن ثم ستنخفض قيمة المعكرونة المتداولة مع زيادة عرضها عن الطلب. وعليه، لكي يحتفظ الشيء بقيمته، ينبغي أيضاً أن يكون نادراً.
يعتبر البعض العملات المحلية المعتمدة (الدولار، واليورو، الين) وسيلة جيدة لتخزين الثروة لأنها تحتفظ بقيمتها على المدى الطويل. لكنها في الواقع مخازن سيئة للقيمة لأن القدرة الشرائية تنخفض انخفاضاً كبيراً مع زيادة الوحدات المُنتَجة (شأنها شأن المعكرونة). فيمكنك أن تسحب مدخرات حياتك وتخبئها تحت فراشك لمدة عشرين عاماً، لكنها لن تملك القدرة الشرائية نفسها عندما تقرر إنفاقها في النهاية.
في عام 2000، كان بإمكانك شراء الكثير مقابل 100000 دولار مقارنة بما يمكنك شراءه اليوم. ويرجع ذلك في الأساس إلى التضخم الذي يشير إلى الزيادة في سعر السلع والخدمات. وفي كثير من الأحيان، يحدث التضخم نتيجة المخزون الزائد عن الحد من العملة المحلية المعتمدة بسبب طباعة الحكومة لمزيد من النقود.

للتوضيح، افترض أنك تملك 25% من المخزون الإجمالي للعملة البالغ 100 مليار دولار – أي 25 ملياراً. يمضي الوقت، وتقرر الحكومة طباعة، مثلاً، 800 مليار دولار أخرى لتحفيز الاقتصاد. فينخفض نصيبك فجأة إلى نحو 3%. لقد زادت النقود المتداولة كثيراً، ومن ثم من المنطقي أن حصتك لن تحمل القدرة الشرائية نفسها التي تمتعت بها في السابق.


فقدان القدرة الشرائية بمرور الوقت


إن الدولارات، شأنها شأن المعكرونة المذكورة سابقاً، ليست مكلفة في إنتاجها. فما ذكرناه أعلاه يمكن أن يحدث في غضون أيام. وفي حالة المخزن الجيد للقيمة، من المفترض أن يكون من الصعب إغراق السوق بوحدات جديدة. بعبارة أخرى، من المفترض أن تنخفض قيمة نصيبك ببطء شديد، هذا إن انخفضت على الإطلاق.

في حالة الذهب مثلاً، نحن نعلم أن عرضه محدود. ونعلم أيضاً أن تعدينه صعب للغاية. لذا إذا ارتفع الطلب على الذهب فجأة، فلن يقتصر الحل على تشغيل طابعة ما لإنتاج المزيد منه. وإنما ينبغي دائماً استخراجه من الأرض. إذن على الرغم من وجود تضخم في الطلب، لا يمكن زيادة العرض مادياً لتلبية ذلك التضخم.


الحجج المؤيدة لكون البيتكوين مخزناً للقيمة

منذ بداية ظهور البيتكوين، أدعى المؤيدون أن هذه العملة الرقمية أكثر شبهاً بـ "الذهب الرقمي" من العملات الرقمية البسيطة. وفي السنوات الأخيرة، ردد هذا القول العديد من المتحمسين للبيتكوين.

تذهب الفرضية القائلة بأن البيتكوين مخزن للقيمة إلى أن هذه العملة أحد أفضل الأصول التي عرفها الإنسان. ويعتقد مؤيدو هذه الفرضية أن البيتكوين أفضل وسيلة لتخزين الثروة بحيث لا تنخفض قيمتها بمرور الوقت.

تشتهر البيتكوين  بتقلبها الشديد. وقد يبدو من غير البديهي أن يعتبر الكثيرون أصلاً يمكن أن يفقد 20% من قيمته يومياً مخزناً للقيمة. ولكن حتى مع الأخذ في الحسبان كل حالات الانخفاض في قيمتها، تظل أفضل فئة أصول عاملة حتى الآن. 

لماذا إذن يُشاد بالبيتكوين بوصفها مخزناً للقيمة؟


الندرة

لعل إحدى أكثر الحجج إقناعاً لفرضية كون البيتكوين مخزناً للقيمة هي أن عرض البيتكوين محدود. فكما تتذكر على الأرجح من مقالنا ما هي البيتكوين؟، لا يمكن أن يوجد أكثر من 21 مليون عملة بيتكوين. ويحرص البروتوكول على تحقيق ذلك من خلال قاعدة يصعب تغييرها برمجياً. 
الطريقة الوحيدة لتكوين عملات جديدة هي من خلال عملية التعدين التي تشبه إلى حدٍّ ما تعدين الذهب. لكن بدلاً من حفر الأرض، ينبغي على مُعدِّني البيتكوين حل لغز مُشفَّر باستخدام القوة الحاسوبية. وبفعل ذلك، يحصلون على عملات جديدة.
بمرور الوقت، تتراجع المكافأة بسبب الأحداث المعروفة باسم التنصيف. إذا كنت قد خمنت أن ذلك يعني خفض قيمة المكافأة إلى النصف، فأنت محق تماماً. في بداية عهد البيتكوين، كان النظام يمنح مكافأة قدرها 50 BTC لأي مُعدِّن يُنتِج كتلة صحيحة. وخلال التنصيف الأول، كان ذلك العدد يُخفَض إلى 25 BTC. والتنصيف التالي يُخفض القيمة إلى 12.5 BTC، ثم في التنصيف الذي يليه تقل مكافأة المُعدِّنين إلى 6.25 بيتكوين لكل كتلة. وتستمر هذه العملية على مدار ما يزيد عن 100 سنة أخرى حتى يدخل آخر جزء من العملة في التداول.
دعونا نوضح ذلك مثلما فعلنا في مثال العملات المحلية المعتمدة فيما سبق. افترض أنك اشتريت 25% من مخزون البيتكوين (أي 5250000 عملة) قبل عدة أعوام. وعندما حصلت على هذه العملات، كنت تعلم أن نسبتك ستظل كما هي لأنه لا يوجد أي كيان قادر على إضافة المزيد من العملات إلى النظام. فما من حكومة هنا – حسناً ليس بالمعنى التقليدي للكلمة (سنتناول ذلك بمزيد من التفصيل بعد قليل). ومن ثم، إذا قمت بشراء (و حيازة) 25% من المخزون الأقصى في2010، فستظل تملك 25% منه اليوم.


اللامركزية

قد تظن أنه برنامج حاسوبي مفتوح المصدر. وتقول: يمكنني نسخ الرمز وصنع الإصدار الخاص بي باستخدام 100 مليون عملة إضافية. 
يمكنك حقاً فعل ذلك. لنفترض أنك استنسخت البرنامج، وأجريت التغييرات، وشغّلت عُقدة. سيبدو أن كل شيء يعمل جيداً. لكن ثمة مشكلة واحدة: لا يوجد عُقد أخرى للاتصال بها. فما أن غيّرت متغيرات البرنامج الخاص بك، بدأ أعضاء شبكة بيتكوين في تجاهلك. لقد أحدثت انقساماً في السلسلة، ولم يعد البرنامج الذي تشغله مقبولاً عالمياً بوصفه بيتكوين. 

ما فعلته يشبه عملياً التقاط صورة للوحة الموناليزا وادعاء أنه توجد الآن لوحتي موناليزا. يمكنك إقناع نفسك بذلك، لكن حظاً سعيداً في إقناع أي شخص آخر بذلك.

لقد ذكرنا أن ثمة نوعاً ما من الحكومة فيما يتعلق بالبيتكوين. تتألف هذه الحكومة من كل مستخدم يُشغِّل البرنامج. والطريقة الوحيدة التي يمكن أن يتغير بها البروتوكول هي أن توافق أغلبية المستخدمين على التغييرات.

إقناع الأغلبية بإضافة عملات ليس بالمهمة السهلة – ففي النهاية، أنت تطلب منهم خفض قيمة حيازاتهم. فكما هو الحال حالياً، حتى الميزات التي قد تبدو غير مهمة تستغرق أعواماً لتصل إلى توافق بشأنها على مستوى الشبكة.

ومع تزايد حجم الشبكة، تزداد صعوبة فرض التغييرات. ومن ثم، يمكن لأصحاب الحيازات أن يكونوا واثقين على نحو معقول في أن العرض لن يتضخم. فعلى الرغم من أن برنامج الكمبيوتر من صنع الإنسان، لامركزية الشبكة تعني أن البيتكوين تسلك سلوك الموارد الطبيعية أكثر من كونها رمزاً يمكن تغييره اعتباطياً.


خصائص المال الجيد

يشير كذلك المؤمنون بفرضية مخزن القيمة إلى سمات البيتكوين التي تجعلها مالاً جيداً. فهي ليست مورداً رقمياً نادراً فحسب، وإنما مورد يتسم بخصائص لطالما تميزت بها العملات على مدار قرون.

لقد اُستخدِم الذهب نقوداً في مختلف الحضارات منذ اكتشافه. يرجع ذلك إلى عدد من الأسباب. ولقد تحدثنا عن الاستمرارية والندرة بالفعل. هذان العاملان يجعلان الأصل جيداً، لكن ليس بالضرورة عملات جيدة. لتحقيق ذلك، أنت بحاجة إلى القابلية للتبادل، والقابلية للنقل، والقابلية للتقسيم.


القابلية للتبادل

القابلية للتبادل تعني أنه لا يمكن التمييز بين الوحدات. في حالة الذهب، يمكنك أخذ أي أوقيتين منه، وسيكونان بنفس القيمة. وهذا ينطبق أيضاً على الأسهم والنقد. فلا يهم أي وحدة بالضبط بحيازتك – فستحمل قيمة مساوية لأي وحدة أخرى من النوع نفسه.

تُعَد قابلية البيتكوين للتبادل مسألة شائكة. فمن المفترض ألا يهم حقاً أي عملة بحيازتك. في معظم الأحيان، 1 BTC = 1 BTC. يتعقد الأمر عندما تعتبر أنه يمكن ربط كل وحدة بمعاملات سابقة. وثمة حالات تُدرِج فيها الشركات الأموال في القوائم السوداء لاعتقادها تورط هذه الأموال في أنشطة إجرامية، حتى وإن كان مَن يحملها قد حصل عليها في وقت لاحق.

فهل هذا يهم؟ من الصعب إدراك السبب وراء ذلك. عندما تدفع ورقة من فئة الدولار مقابل شيء ما، لا أنت ولا التاجر تعرفان فيم اُستخدِمت هذه الورقة قبل ثلاث معاملات. فلا يوجد مفهوم سجل المعاملات – قيمة الأوراق النقدية الجديدة لا تزيد عن قيمة الأوراق القديمة.

لكن في أسوأ الاحتمالات، من الممكن أن تكون عملات البيتكوين الأقدم (ذات السجل الأكبر) قد بيعت بمقابل أقل من عملات البيتكوين الأحدث. واعتماداً على مَن تسأل، قد تكون هذه الحالة أكبر خطر يهدد البيتكوين أو شيئاً لا يستدعي القلق. على أية حال، البيتكوين الآن قابلة للتبادل عملياً. ولم تكن هناك سوى حوادث فردية تم فيها تجميد العملات بسبب سجل معاملات مشبوه.


القابلية للنقل

تشير القابلية للنقل إلى سهولة نقل الأصل. 10000 في هيئة 100 ورقة نقدية؟ هذا سهل النقل للغاية. ماذا عن نقل نفط بقيمة 10000 دولار؟ ليس بهذه السهولة.

تحتاج العملة الجيدة إلى عامل الفئة الصغيرة. فيجب أن يكون من السهل حملها بحيث يمكن للأفراد الدفع لبعضهم البعض مقابل السع والخدمات.

لطالما كان الذهب ممتازاً في هذا الشأن. ففي وقت كتابة هذا المقال، تحمل العملة الذهبية القياسية قيمة تبلغ حوالي 1500 دولار. ومن المستبعد أن تقوم بمشتريات بقيمة أوقية ذهب كاملة، ولذلك تشغل فئات أصغر مساحة أقل. 

تتفوق البيتكوين في الواقع على المعادن النفيسة عندما يتعلق الأمر بقابلية النقل. فهي ليس لها حتى أثر مادي. يمكنك تخزين ثروة بقيمة تريليونات من الدولارات على  جهاز بحجم كف يدك.

يتطلب نقل ذهب بقيمة مليار دولار (حوالي 20 طناً حالياً) قدراً هائلاً من الجهد والتكلفة. حتى نقل هذا القدر نقداً يستلزم حمل عدة ناقلات للأوراق فئة 100 دولار. أما في حالة البيتكوين، فيمكنك إرسال المبلغ نفسه إلى أي مكان في العالم مقابل أقل من دولار.


القابلية للتقسيم

من الخصائص الأخرى الجوهرية للعملات قابلية التقسيم – أي القدرة على تقسيمها إلى وحدات أصغر. في حالة الذهب، يمكنك أخذ عملة فئة أوقية واحدة وقسمها من المنتصف للحصول على وحدتين فئة نصف أوقية. وقد تخسر ميزة ما بإفسادك الرسم الجميل الموجود على العملة، لكن قيمة الذهب تظل كما هي. ويمكنك تقسيم وحدة النصف أوقية أكثر من مرة لإنتاج فئات أصغر.

تُعَد القابلية للتقسيم جانباً آخر من الجوانب التي تتفوق فيها البيتكوين. فلا يوجد سوى واحد وعشرين مليون عملة بيتكوين، لكن كلاً منها مكوّنة من مائة مليون وحدة أصغر (ساتوشي). يمنح ذلك المستخدمين قدراً كبيراً من التحكم في معاملاتهم؛ إذ يمكنهم تحديد مبلغ يصل إلى ثماني منازل عشرية لإرساله. قابلية البيتكوين للتقسيم تيسر كذلك على المستثمرين الصغار شراء أجزاء من BTC.


مخزن للقيمة، ووسيلة تبادل، ووحدة حساب

تنقسم الآراء بشأن الدور الحالي للبيتكوين. فيعتقد كثيرون أن البيتكوين مجرد عملة – أداة لنقل الأموال من النقطة أ إلى النقطة ب. سنتناول هذه المفهوم في القسم التالي، لكن هذا الرأي مناقض لما يدافع عنه الكثيرون من مؤيدي فكرة مخزن القيمة.

فيجادل مؤيدو مخزن القيمة أن البيتكوين يجب أن تمر بمراحل قبل أن تصير العملة المثلى. فهي تبدأ بوصفها عنصراً قابلاً للتجميع (يمكن القول بأن هذه المرحلة التي نعيشها الآن): فقد أثبتت أنها عملية وآمنة، لكن لم تستخدمها سوى فئة معينة صغيرة. فيتكوّن جمهورها الأساسي من الهواة والمضاربين.

ولن تتمكن البيتكوين من الانتقال إلى المرحلة التالي، وهي مخزن القيمة، إلا عند تزايد التثقيف، والبنية التحتية للمؤسسات، والثقة في قدرة هذه العملة على الاحتفاظ بقيمتها. يعتقد البعض أنها قد وصلت إلى هذا المستوى بالفعل. 
في الوقت الحالي، لا يجري إنفاق البيتكوين على نطاق واسع بسبب قانون جريشام، الذي ينص على أن النقود الرديئة تطرد النقود الجيدة من السوق. ما يعنيه ذلك هو أنه عند عرض نوعين من العملات على الأشخاص، فإنهم يميلون إلى إنفاق العملة الأسوأ وتخزين العملة الأفضل. ويفضل مستخدمو بيتكوين إنفاق العملات المحلية المعتمدة، لعدم ثقتهم في بقائها على المدى الطويل. ويقومون بالاحتفاظ بعملات البيتكوين الخاصة بهم (أو حيازتها) لاعتقادهم أنها ستحتفظ بقيمتها. 
إذا واصلت شبكة بيتكوين نموها، فسيستخدمها المزيد من المستخدمين، وستزيد سيولتها، ويصبح سعرها أكثر استقراراً. ونظراً لزيادة استقرارها، لن يصبح هناك حافز بالقدر نفسه لحيازتها أملاً في جني مكاسب أكثر مستقبلاً. من ثم، يمكننا توقع استخدامها أكثر في التجارة والمدفوعات اليومية، بوصفها وسيلة تبادل قوية.
الاستخدام المتزايد يعزز من استقرار السعر. في المرحلة الأخيرة، ستصبح بيتكوين وحدة حساب – بمعنى أنها ستُستخدَم لتسعير الأصول الأخرى. فمثلما قد تُسعِّر جالوناً من النفط بـ 4 دولارات، ففي عالم تحكمه البيتكوين كنقود ستقيس قيمة هذا الجالون بالبيتكوين.

عند تحقق هذه المراحل النقدية الأساسية الثلاث، يرى المؤيدون مستقبلاً تصبح فيه البيتكوين معياراً جديداً يحل محل النقود المستخدمة اليوم.


الحجج المعارضة لكون البيتكوين مخزناً للقيمة

قد تبدو الحجج الموضحة في القسم السابق منطقية تماماً في نظر البعض وجنوناً مطبقاً في نظر آخرين. فيوجد عدد من الانتقادات الموجهة لفكرة كون البيتكوين "ذهباً رقمياً" من جانب المستخدمين لها والمُشككين في العملات الرقمية على حدٍّ سواء.


البيتكوين بوصفها نقوداً رقمية

يسرع كثيرون إلى الإشارة إلى المستند التقني الخاص بالبيتكوين عند نشوء نزاع حول هذا الموضوع. في رأيهم، من الواضح أن ساتوشي كان هدفه أن يتم إنفاق البيتكوين من البداية. وفي الواقع، يذكر عنوان المستند نفسه: بيتكوين: نظام نقدي إلكتروني من شخص لشخص.

تشير هذه الحجة إلى أن البيتكوين لا يمكن أن يكون لها قيمة إلا إذا أنفق المستخدمون عملاتهم. فمن خلال تخزينها، أنت لا تساعد في عملية الاستخدام – وإنما تضرها. وإذا لم تحظ البيتكوين بتقدير واسع النطاق بوصفها نقوداً رقمية، فإن عرضها الأساسي لن يكون مدفوعاً بالمنفعة، وإنما بالمضاربة. 

أدت هذه الاختلافات الأيديولوجية إلى انقسام كبير في السلسلة عام 2017. أرادت أقلية من مستخدمي البيتكوين نظاماً بكتل أكبر، ما عني رسوم معاملات أقل. ونظراً للاستخدام المتزايد للشبكة الأصلية، يمكن أن تزيد تكلفة المعاملة وتدفع الكثير من المستخدمين إلى الخروج من المعاملات منخفضة القيمة. وإذا كان هناك رسم متوسط مقداره 10 دولارات، فمن غير المنطقي أن تنفق العملات في عملية شراء بقيمة 3 دولارات.

تُعرَف الآن الشبكة الناتجة عن انقسام السلسلة باسم بيتكوين كاش. وقد بدأت الشبكة الأصلية ترقيتها في الوقت نفسه تقريباً، وتُعرَف باسم  SegWit. تُزيد SegWit اسمياً بالفعل قدرة الكتل، لكن ذلك لم يكن هدفها الأساسي. ووضعت كذلك الأساس لشبكة Lightening التي تسعى إلى تيسير المعاملات منخفضة التكلفة من خلال دفعها خارج السلسلة.

لكن، عملياً، شبكة Lightning أبعد ما يكون عن المثالية. فتُعَد معاملات بيتكوين أيسر بكثير في فهمها، بينما إدارة قنوات شبكة Lightning وقدرتها يكون منحنى التعلم لها شديد الانحدار. ولا نعلم بعد ما إذا كان من الممكن تبسيطها أو ما إذا كان تصميم الحل أكثر تعقيداً بكثير مما يمكن تبسيطه.

نظراً للطلب المتزايد على مساحة الكتل، لم تعد المعاملات على السلسلة رخيصة في الأوقات المزدحمة. ومن ثم، يمكن المجادلة بأن عدم زيادة حجم الكتلة يفسد سهولة استخدام البيتكوين كعملة.


عدم وجود قيمة جوهرية

في نظر كثيرين، المقارنة بين الذهب والبيتكوين غير منطقية. تاريخ الذهب هو في الأساس تاريخ الحضارة. ولطالما كان ذلك المعدن النفيس جزءاً بالغ الأهمية من المجتمعات على مدار آلاف السنين. لا شك أنه فقد بعضاً من سيادته منذ إلغاء غطاء الذهب، لكنه ما زال أصل الملاذ الآمن الأمثل.

و في الواقع، من الصعب المقارنة بين آثار الشبكة لملك الأصول وبروتوكول عمره أحد عشر عاماً. أما الذهب، فقد نال التقدير لكونه رمزاً للمكانة ومعدناً صناعياً في الوقت نفسه على مدار آلاف السنين.

في المقابل، ليس للبيتكوين فائدة خارج شبكتها. ولا يمكنك استخدامها كمادة موصّلة في الإلكترونيات، ولا يمكنك تحويلها إلى سلسلة كبيرة لامعة عندما تقرر بدء مسيرتك المهنية في موسيقى الهيب هوب. ربما تحاكي البيتكوين الذهب (من حيث التعدين، والمخزون المحدود، إلخ)، لكن ذلك لا يغير حقيقة أنها أصل رقمي.

إلى حدٍّ ما، كل النقود ما هي إلى اعتقاد مشترك – فالدولار له قيمة لأن الحكومة تقول ذلك والمجتمع يقبله. وليس للذهب قيمة إلا لأن الجميع يوافق على أنه كذلك. البيتكوين لا تختلف كثيراً، لكن يظل مَن يعطيها قيمتها مجموعة صغيرة في المخطط الأكبر. لعلك أجريت الكثير من المحادثات في حياتك الشخصية اضطررت فيها إلى شرح ما هي البيتكوين نظراً لعدم إدراك الغالبية العظمى من الناس لها.


التقلب والارتباط

من المؤكد أن مَن تداولوا البيتكوين في مراحلها المبكرة تمتعوا بزيادة ثرواتهم أضعافاً مضاعفة. فبالنسبة لهم، خزنت البيتكوين قيمتها بالفعل – ثم بعضها. أما مَن اشتروا أول عملات لهم بأعلى سعر قياسي، فلم يخوضوا هذه التجربة. ويتعرض كثيرون لخسائر كبيرة عند البيع في أي وقت لاحق. 
البيتكوين متقلبة على نحو مذهل، وأسواقها غير متوقعة. أما المعادن مثل الذهب والفضة، فتتعرض لتقلبات طفيفة بالمقارنة بالبيتكوين. وقد تجادل بأنه من المبكر للغاية الحكم بذلك وأن السعر سيستقر في النهاية. لكن ذلك، في حد ذاته، يمكن أن يشير إلى أن البيتكوين ليست حالياً مخزناً للقيمة.

من النقاط الأخرى الجديرة بالتفكير فيها ارتباط البيتكوين بالأسواق التقليدية. منذ نشأة البيتكوين، اتخذت اتجاهاً صعودياً. ولم تخض هذه العملة الرقمية في الواقع أي اختبار بوصفها ملاذ آمن، نظراً لأن كل فئات الأصول الأخرى تبلي حسناً أيضاً. قد يشير المتحمسون للبيتكوين إلى أنها "غير مرتبطة" بأصول أخرى، لكن ما من وسيلة لمعرفة ذلك حتى تعاني أصول أخرى بينما تظل البيتكوين مستقرة.


جنون التوليب ودمى بيني بيبي

لن يكون من المناسب انتقاد سمات البيتكوين بوصفها مخزناً للقيمة، إذا لم نقارنها بكل من  جنون التوليب ودمى بيني بيبي. وهذان تشبيهان ضعيفان على أفضل تقدير، لكنهما يفيدان في توضيح مخاطر الفقاعات الاقتصادية المنفجرة.

في كلا المثالين، تهافت المستثمرون لشراء أشياء اعتقدوا أنها نادرة أملاً في إعادة بيعها وتحقيق ربح. لم تكن تلك الأشياء، في حد ذاتها، قيّمة – فكان من السهل نسبياً إنتاجها. انفجرت الفقاعة عندما أدرك المستثمرون أنهم كانوا يبالغون في قيمة استثماراتهم على نحو هائل، وانهارت بعد ذلك أسواق التوليب ودمى بيني بيبي.

نؤكد هنا أن هذين تشبيهان ضعيفان. فتنبع قيمة البيتكوين بالفعل من إيمان المستخدمين بها، ولكن على عكس زهور التوليب، لا يمكن إنتاج المزيد منها لتلبية الطلب عليها. رغم ذلك، فما من شيء يضمن عدم اعتقاد المستثمرين مستقبلاً أن البيتكوين مبالغ في قيمتها، الأمر الذي يؤدي إلى انفجار فقاعتها.


أفكار ختامية

لا شك أن البيتكوين تحمل معظم سمات مخازن القيمة مثل الذهب. فعدد وحداتها محدود، وشبكتها لامركزية بالقدر الكافية لتمنح الأمان لحائزيها، ويمكن استخدامها لحمل القيمة ونقلها.

في النهاية، يظل عليها إثبات قيمتها بوصفها أصل ملاذ آمن – فما زال من المبكر للغاية تأكيد ذلك. ويمكن أن يحدث أحد أمرين – إما أن يتهافت العالم على البيتكوين في أوقات الاضطرابات الاقتصادية، وإما أن يستمر استخدامها من جانب أقلية فقط.

وحده الزمن سيكشف لنا ما سيحدث.